الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة الكـارثـة: إسرائيليّ آخر في مهرجان الحمّامات الدولي!!!! بقلم حاتم التليلي

نشر في  12 جويلية 2017  (12:01)

بقلم حاتم التليلي

أنت أيضا إسرائيلي أيها القارىء! وإلا بأيّ معنى نفسّر رفضك الصهيوني "ميشال بوجناح" والحال أنّك لا تختلف عنه في شيء حين نكتشف أنّ سلوكك الغضبيّ ضدّه لا يتعدّى تشغيل أوّل السرديات القديمة لإسرائيل القديمة ومغالطات نحتها مفهوميّا من قبل اسرائيل الجديدة ذاتها؟

ثمّ ما معنى أن تفتح هذا المقال بسرعة البرق لتبحث عن فضيحة ثقافية فإذا بك تسأل الآن عن الفرق بين إسرائيل القديمة وأخرى الجديدة؟ ألا ينمّ ذلك عن كونك قارئ عفوي، عاطفي، وانفعالي في أغلب الأحوال؟ لهذا مهما حاولت الفهم فستكون معظم تحليلاتك للظواهر المحيطة بك مبنيّة على سياسات الرّقص على قدم واحدة، كما لو أنّك خردة مشتهاة في مسرح الدّمى !

ولكنّك على الأغلب بلا ذاكرة، إذ أنت الآن تلهث وراء الأسطر في هذا المقال باحثا عن اسم هذا الإسرائيلي الآخر في مهرجان الحمامات الدولي وتنسى أننا وصفناك منذ قليل كونك إسرائيلي أنت الآخر: ألهذه الدرجة أنت تهبنا الغفران وتسامحنا على هذه الإدانة المرعبة، أم إنّك شخصية مرضيّة محض، يروق لها أن تظل هكذا دون قيم مقابل العثور على فضيحة تغذي رغبتها في الرفض، أو هي تزرعك ورما مقيتا يفكّك أوصال كيانك الاجتماعي؟

ليس ثمّة أجمل من أن تكون شخصا رافضا، ولكن عليك أن تنتبه الآن إلى أنّ رفضك ينشأ عن كونك إنسان يقدّم نفسه ضحيّة على الدوام، فإذا ما أنت عثرت الآن على صهيوني آخر في مهرجان الحمّامات الدولي على غرار مهرجان قرطاج، فمن المحتمل أن تملأ الدنيا مناحات وتقدّم نفسك على أساس أنك ضحية ومستهدف، وبهذا الشكل أنت تطلب شفقة الآخرين مثلنا فعلت اسرائيل الجديدة في اطار تكوّن كيانها الصهيوني فشغّلت المظلوميّة القديمة للعرق الاسرائيلي والمظالم التي انتهكت ضدّ اليهود.

لا تلهث أكثر وراء هذه الأسطر كي تقرأ اسم هذا الاسرائيلي الذي حطّ رحاله في الحمامات، دعنا نؤكّد لك أوّلا أنّك ضحيّة وتعشق البكائيات كي ترمي العالم بمتاعبك علّك تثير شفقته: بالأمس القريب كان ثمّة فيلم سينمائي حمل عنوان (Wonder woman) أنت أوّل رافضي عرضه هنا في تونس، وحتّى أنّك نجحت في فرض ذلك من منطلق مقاومة التطبيع، لم تستطع نحت كيانك الخاص، إذ لم يتعدّ سلوكك غير الهدم، أمّا أن تؤسس لبديل ومشاريع ثقافية جديدة قد تنقذ السينما التونسية من سياسات الدعم الكولونيالي أو تفرض قانون تجريم التطبيع قانونيا فأنت لم تطرح حتّى ذلك، وهذا سلوك يعبّر عن قصر نظر يا صاحبي. ثمّ دعنا نعقد مقارنة بينك وبين أن تكون اسرائيليا: أنت رهان غضبك لم يتجاوز كونك ضحيّة عدميّة، لم تنجح حتّى في استثمار معاركك !

في ضوء هذه المقارنة، نذكرك كون اسرائيل قبيلة عربيّة بائدة كما الديانة اليهوديّة، تمّ تشغيل "مظلوميتها" منذ تسليط الضوء على "أحداث السبي البابلي القديمة" من قبل كيان غاصب ودمويّ وشوفيني وأصولي حتّى يتسنّى له ايجاد موقع داخل معادلة العالم، وبالفعل: لقد نجح في ذلك، وصار له وطنا يدعى اسرائيل، وبين القبيلة البائدة والديانة العربية القديمة واسرائيل الحديثة مفارقات شتّى، ثم بين أن يوظّف هذا الاسرائيلي سرديات قديمة ويستثمرها لصالحه وبين غضبك العبثيّ الذي لا يستثمر معاركه فروقات أكثر من شتّى أيضا. هل ترى الآن حجم الفارق بين وبينه؟

ثمّ إنّك تزداد وقاحة الآن، فإذا بك في سياق رفضك ذلك الفاشستيّ "ميشال بوجناح"، تجعل منه رمزا دون وعي منك: لقد قمت بدعاية مضادّة له، حتى أنّه صار الآن وجهة الصحافة العالميّة. وعلى الأغلب إن وقاحتك هذه كثيرا ما تجعل من الفنّ سلاحا محض وتورّطه في معارك رعاة السياسيين.

دعنا نفكّر معا الآن، أنت لم نكن لنسمع صوتك اطلاقا لو لم يطرح اسم هذا الرجل في مهرجاناتنا، وبالتالي أنت تسلّم بكونها فعلا -هذه المهرجانات- تؤسس لثقافة مغايرة وبديلة، ولكن انتبه الآن إلى حجم هذه "الخردة الثقافية" برمّتها، وعليك أن تبصق بفم أدرد بلا أسنان على مراياك !

يبدو أنّك الآن تلعننا، وربّما تلعن حتّى صاحب الجلالة لأنّك مصرّ على الاقامة في تخوم الفضيحة، وعليه فقد نفذ صبرك وأنت تقرأ هذا المقال باحثا عن اسم صهيونيّ آخر في مهرجان الحمامات الدولي، ولكن انتبه الآن كي نعرّيك: من أنت أيّها التونسيّ؟

يبحث التّونسيّ اليوم -معارضا كان أم رجل إعلام أو حتّى منتسبا إلى ملّة الفنّ-  عن الفضيحة، فضيحة يرتكبها النظام أو بعض من المثقفين أو أحد الرموز التي يحتذى بها حتّى. إن أقصى ما يمكنه أن يفعل هو الاقامة في معادلة النزاع، إذ يموت بموتها، وينتهي بانتهاء حالة الصراع. أمّا أن يكون رؤيويّا بمعنى النقد والتجاوز والتأسيس لغير المعادلة التي حرّكت نزعته الرافضة والغضبيّة، فهو لن يستطيع ذلك مطلقا. إنّ انتسابه إلى ثقافة الانحطاط هو ما يجعل منه شخصيّة عدميّة محض، حتّى أنّ سلوكه كثيرا ما يلتجئ إلى تشغيل فضائح غيره، وهذه نزعة لا تنمّ إلا عن القرف والازدراء.

إن تفاهته الحالية لم تتأتّ من عدم ومحض بفعل كن فكانت، وإنّما تعود في جانب منها إلى خصي انتظاراته الكبيرة بعد الانفجار الاجتماعيّ، إذ سادت معادلة شطب القيم جميعها، وتفشّي الانتهازيّة بشكل مطلق، حتّى أنّ الثوّار اليوم هم كذلك لا لشيء إلا لأنّهم لم يجدوا فرصتهم في انتهاز قطعة من اللحم الحيّ لهذه البلاد ثمّ افتراسها بشكل حيوانيّ.

أمّا أن يولد فينا عقل حرّ، فهو مدعو غصبا عنه إلى الجلوس على طاولة التشريح كي يتمّ التدقيق في جسده الفكريّ وبدائله، وحتما -من عدم- سيجد بعض التونسيين العدميين سببا لإدانته. ولكن يا لوطأة الضحك: إن صاحب الفضيحة نفسه، ذلك الذي نبحث عنه، سينجو بشكل سهل جدّا من كلّ الشراك والفخاخ التي نصبت من أجله، نتيجة سطحيّة المعارك الموجّهة ضدّه، ونتيجة إقامة ألف رجل انتهازيّ مستعدّ لإنقاذه !

نعم، لقد نجح "ميشال بوجناح" سواء تمّ إلغاء عرضه في قرطاج من عدمه، وفشلت أنت أيّها القارئ: إذ بقدر تفاهة تشغيلك الغضب نسيت أنّه كان بالإمكان أيضا الالتفات إلى كيان ثقافيّ يؤسس لعقول حرّة، لهذا أنت أيضا "ميشال بوجناح" جديد، اسرائيليّ جديد لا يختلف عنه إلا من حيث العباءة والثوب.

عليك أن تطمئنّ الآن: ليس ثمّة اسرائيلي آخر في مهرجان الحمامات الدولي، ثمّ إنّنا لم نكذب عليك حين وسمنا عنوان مقالنا كذلك، إذ ندرك مسبّقا عشقك للفضيحة، شغفك الكبير في الحديث عن المستنقعات، وانتبه جيّدا الآن، فهذا قد يجعل منك "ضفدعا كئيبا" !!!